نجحت دولة الإمارات في تذليل العديد من التحديات الطبيعية والجغرافية، والتغلب على ظروف البيئة الجافة، وتحويل المساحات الصحراوية الشاسعة إلى واحات غنّاء وحدائق ممتدة، بالتزامن مع تطوير نوعي في البنية التحتية المستدامة.
وأصبحت دولة الإمارات إحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية، وحجزت وجهاتها على امتداد مساحة الإمارات باعتبارها مكاناً جاذباً في مجال السياحة الخضراء.
وفي هذا الصدد، أولت دولة الإمارات، بفضل توجيهات القيادة الرشيدة، اهتماماً كبيراً بتطوير السياحة الخضراء والبيئية باعتبارهما من الركائز الأساسية في تعزيز استدامة السياحة في الدولة مع الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، ودعم تنافسية الوجهات السياحية، مدعومة بالعديد من المبادرات البيئية الرائدة والاستراتيجيات المستقبلية المستدامة التي من شأنها إبراز قيمة السياحة المسؤولة، وتعزيز ثقافة التعامل المستدام مع البيئة، ونشر مفاهيم السياحة الخضراء التي تراعي بصورة كاملة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمقبلة.
وحرصاً على ترسيخ هذه المفاهيم على الصعيد المجتمعي، جاء إطلاق وزارة الاقتصاد النسخة الخامسة لحملة أجمل شتاء في العالم تحت شعار "السياحة الخضراء"، بالتعاون مع المركز الزراعي الوطني، والهيئات السياحية المحلية في دولة الإمارات، بهدف تشجيع المشاركة المجتمعية في الممارسات الزراعية المستدامة، وتحفيز الزيارات السياحية إلى المزارع والمشاريع الزراعية بالإمارات السبع، وذلك في إطار استراتيجية السياحة الداخلية في دولة الإمارات التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والهادفة إلى تطوير منظومة سياحية تكاملية على مستوى دولة الإمارات.
ويشكل مفهوم "السياحة الخضراء" الذي تتبناه حملة أجمل شتاء في العالم خلال هذه الدورة، رافداً حضارياً للوعي البيئي المجتمعي يتجلى من خلاله الدمج المبتكر بين الاستمتاع بجمال الطبيعة البكر والحدائق الغناء في دولة الإمارات، مقروناً بضوابط الاستدامة والحفاظ على البيئة والكنوز الطبيعية للأجيال، لتصبح تجارب السياحة الشتوية في دولة الإمارات فرصة سانحة لنشر الوعي البيئي وإبراز المعالم السياحية البيئية والمناطق الخضراء، والاقتراب الساحر من القطع الفنية الطبيعية دون الإضرار بها، واستكشاف كنوز طبيعية وتاريخية فريدة ومنتجات سياحية متنوعة تضم طيفاً واسعاً من المواقع المتنوعة في الإمارات تشمل الجزر والشواطئ والحدائق والمزارع والمواقع الصحراوية والجبلية ومواقع التنوع البيولوجي والمحميات الطبيعية، وغيرها من الوجهات الساحرة.
فضلاً عما يشكله هذا المفهوم للسياحة الخضراء في مسيرة تعزيز مكانة دولة الإمارات كوجهة سياحية عالمية، تجمع بين التراث الثقافي الغني والطبيعة الساحرة والبنية التحتية المتطورة، مع الحرص على إبراز أولوية القطاع الزراعي في دولة الإمارات، والاهتمام البالغ بملف الاستدامة البيئية، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز الابتكار في القطاع السياحي.
ولترسيخ أولوية وأهمية مفهوم السياحة الخضراء في المجتمع عملت دولة الإمارات على إقرار منظومة تشريعية وقانونية تعزز استدامة الموارد الطبيعية وحماية مواطِن التنوع البيولوجي، كما دعمت تحقيق منظومة الاستدامة في قطاعات عدة، وعززت عمليات التحول نحو الاقتصاد الأخضر، والحد من معدلات التصحر والتلوث.
وحرصت دولة الإمارات على تأكيد ريادتها في مجال الاحتفاء بكنوز الطبيعة، وعلى التعريف بالكثير من الوجهات التي تتناسب مع تعريف الأمم المتحدة للسياحة الخضراء أو البيئة، ووفقاً للتعريف الأممي لهذا المفهوم فإنه يقصد به جميع أشكال السياحة المعتمدة على الطبيعة التي يكون الدافع الرئيسي للسياح فيها هو ملاحظة وتقدير الطبيعة بالإضافة إلى الثقافات التقليدية السائدة في المناطق الطبيعية، كما تحتوي على ميزات تعليمية، فضلاً عن دورها في تقليل التأثيرات السلبية على البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافي، مع الحفاظ على المناطق الطبيعية التي تستخدم كمناطق جذب سياحي بيئي عبر زيادة الوعي تجاه الحفاظ على الأصول الطبيعية والثقافية، سواء بين السكان المحليين أو السياح.
وانسجاماً مع ذلك، تبنت دولة الإمارات توجهات مستقبلية رائدة على المستوى العالمي تركز على السياحة المسؤولة والاستدامة، وترسيخ هذه الثقافة لدى الوجهات السياحية المحلية، مع إعطاء أولوية للابتكار والتحول الرقمي في هذا القطاع لزيادة الإيرادات والنمو وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوظيف وتطوير تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز جهود الدولة في خفض الانبعاثات الكربونية، بما يسهم في تحقيق مستهدفات الدولة للحياد المناخي 2050، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ونجحت دولة الإمارات بفضل الرؤية الاستشرافية في ترسيخ المكونات الرئيسية لنمو قطاع السياحة حيث حلّت في المرتبة الأولى إقليمياً والمرتبة 18 عالمياً في مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لتحقق تقدماً بمقدار 7 مراكز مقارنةً بالمرتبة الـ25 عالمياً في عام 2019، محققةً نتائج إيجابية تعكس المكانة الرائدة لدولة الإمارات على خريطة السياحة والسفر العالمية، وتعزز الوصول إلى مستهدفات "الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2031"، والرامية إلى الارتقاء بمكانة دولة الإمارات كأفضل هوية سياحية حول العالم بحلول العقد المقبل.
وتبرز المحميات الطبيعية في الإمارات بوصفها إحدى أكثر وجهات السياحة البيئية استقطاباً للزوار، حيث تعمل على تعزيز التنوع البيولوجي وحفظ التوازن البيئي، كما تحتضن دولة الإمارات محميات طبيعية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة وتنقسم هذه المحميات الطبيعية إلى محميات بحرية تمثل نحو 12.01% من المناطق البحرية والساحلية ومحميات برية تمثل 18.4% من المناطق البرية في الدولة.
كما أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مشروعاً وطنياً يستهدف الاهتمام والترويج للسياحة البيئية في دولة الإمارات تحت اسم "كنوز الطبيعة في الإمارات"، وهو عبارة عن منظومة مرحلية للترويج لمقومات السياحة البيئية في دولة الإمارات.
وبادرت الجهات المعنية بالقطاع السياحي على مستوى دولة الإمارات بإطلاق المبادرات التي تعزز السياحة البيئية الخضراء ومفاهيم الاستدامة، فقد أطلقت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي 3 مبادرات تعزز الاستدامة في القطاع السياحي وتمكن الشركاء من تطبيق الممارسات المستدامة في أعمالهم، وتشمل هذه المبادرات الأدلة الإرشادية الجديدة للاستدامة السياحية في القطاع، ونظام قياس الانبعاثات الكربونية الخاص بالفنادق في أبوظبي لتقدير البصمة الكربونية التي تخلّفها، وتدقيق استهلاك الطاقة بجميع الفنادق في الإمارة، حيث تجسد هذه المبادرات التزام الدائرة بحماية موارد أبوظبي، وأصولها الثقافية، وبيئتها للأجيال القادمة بما يضمن مواصلة استمتاع السياح بالعروض الثقافية والسياحية وإمكانيات الجذب الفريدة التي تقدمها الإمارة خلال السنوات المقبلة.
كما أطلقت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي 50 مبادرة رائدة في الحفاظ على البيئة والاستدامة ضمن منظومتها السياحية، سواء كانت محميات صحراوية، أو مطاعم، أو منشآت فندقية، أو مناطق جذب سياحي تحافظ على البيئة، بالإضافة إلى الأنشطة التوعوية والثقافية التي تهتم بهذا المجال.
وترمي مبادرة "دبي تبادر" التي أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، في فبراير/شباط 2022 إلى توعية مختلف شرائح المجتمع بأهمية الحفاظ على مواردنا الطبيعية، وكذلك إلهامهم لإحداث التغيير المطلوب لبعض الممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى أضرار بالغة للبيئة المحيطة ليكونوا شركاء فاعلين في صنع مستقبل أكثر استدامة، وأن يُسهموا بإيجابية في الحفاظ على الحياة البرية والبحرية.
كما تلزم مبادرة "دبي للسياحة المستدامة" الفنادق بالمعايير الـ19 التي تغطي متطلبات متنوّعة بما في ذلك الإدارة المستدامة، ومقاييس الأداء، وتدريب الموظفين والضيوف على الاستدامة، حيث ستعمل الفنادق من خلال تحسين عمليات الاستدامة ضمن منشآتها على تعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد دبي، في حين تنسجم تلك المتطلبات مع استراتيجية دبي للحدّ من الانبعاثات الكربونية التي تهدف إلى تقليص البصمة الكربونية.
وحرصت هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة على تطبيق الممارسات الصديقة للبيئة وترسيخ سياسات الاستدامة في القطاع السياحي والاستخدام الذكي للموارد وصولاً إلى تحقيق فكر السياحة الخضراء الصديقة للبيئة لترسيخ الآثار الإيجابية للسياحة.